{ياأيها النبى اتق الله} في ندائِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعنوانِ النُّبوةِ تنويهٌ بشأنِه وتنبيهٌ على سموِّ مكانِه، والمرادُ بالتَّقوى المأمورِ به الثباتُ عليهِ والازديادُ منه فإنَّ له باباً واسعاً وعرضاً عريضاً لا يُنال مداهُ {وَلاَ تُطِعِ الكافرين} أي المجاهرينَ بالكُفر {والمنافقين} المُضمرين له أي فيما يعودُ بوهنٍ في الدِّينِ وإعطاء دنيَّةٍ فيما بين المسلمينَ. (رُوي أنَّ أبا سفيانَ بنَ حربٍ وعكرمةَ بنَ أبي جهلٍ وأبا الأعورِ السُّلَمي قدِمُوا عليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الموادعةِ التي كانتْ بينه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وبينهم، وقامَ معهم عبدُ اللَّهِ بن أبيَ ومعتب بن قُشير والجدُّ بنُ قيسٍ فقالُوا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أرفضْ ذكرَ آلهتِنا، وقل: إنَّها تشفعُ وتنفعُ وندعك وربَّك فشقَّ ذلك على النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمؤمنين وهمُّوا بقتلِهم فنزلتْ) أي اتقِ الله في نقضِ العهدِ ونبذِ الموادعةِ ولا تساعدِ الكافرينَ من أهلِ مكةَ والمنافقينَ من أهلِ المدينةِ فيما طلبُوا إليكَ {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} مُبالغاً في العلمِ والحكمةِ فيعلم جميعَ الأشياءِ من المصالحِ والمفاسدِ فلا يأمرُك إلا بما فيه مصلحةٌ ولا ينهاك إلا عمَّا فيه مفسدةٌ ولا يحكم إلا بما تقتضيهِ الحكمةُ البالغةُ فالجملةُ تعليلٌ للأمرِ والنَّهي مؤكدٌ لوجوبِ الامتثالِ بهما {واتبع} أي في كلِّ ما تأتِي وتذر من أمورِ الدِّينِ {مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبّكَ} من الآياتِ التي من جُملتها هذه الآيةُ الآمرةُ بتقوى الله الناهيةُ عن مساعدةِ الكَفَرةِ والمنافقينَ. والتَّعرضُ لعُنوانِ الرُّبوبيةِ لتأكيدِ وجوبِ الامتثالِ بالأمرِ {إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} قيل: الخطابُ للرسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والجمعُ للتَّعظيمِ وقيل: له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وللمؤمنينَ وقيلَ: للغائبينَ بطريقِ الالتفاتِ ولا يخفى بعدُه نعم يجوزُ أنْ يكونَ للكلِّ على ضربٍ من التَّغليبِ، وأياً ما كانَ فالجملةُ تعليلٌ للأمرِ وتأكيدٌ لموجبه، أمَّا على الوجهينِ الأولينِ فبطريقِ الرغيبِ والتَّرهيبِ كأنَّه قيل: إنَّ الله خبيرٌ بما تعملونَه من الامتثالِ وتركه فيرتب على كلَ منهما جزاءَه ثواباً وعقاباً وأمَّا على الوجهِ الأخيرِ فبطريقِ الترغيب فقط كأنَّه قيل: إنَّ الله خبيرٌ بما يعملُه كلا الفريقينِ فيرشدك إلى ما فيهِ صلاحُ حالِك وانتظامُ أمرِك ويُطلعك على ما يعملونَه من المكايدِ والمفاسدِ ويأمُرك بما ينبغِي لك أنْ تعملَه في دفعِها وردِّها فلا بُدَّ من اتباعِ الوحيِ والعملِ بمقتضاه حتماً.